في خطوة مفاجئة أثارت قلق الشارع السوداني، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية يوم الخميس 22 مايو 2025، بدء إجراءات فرض عقوبات جديدة على السودان، وسط تساؤلات متزايدة حول أثر هذه الخطوة على الاقتصاد والسياسة، واحتمال عودة البلاد إلى عزلة دولية شبيهة بتلك التي عاشها خلال تسعينيات القرن الماضي.
طابع سياسي للعقوبات… أكثر من اقتصادي
رغم أن القرار لا يزال قيد المصادقة في الكونغرس الأميركي، إلا أن خبراء في العلاقات الدولية أجمعوا على أن العقوبات الأميركية تحمل طابعًا سياسيًا أكثر منه اقتصاديًا، وتهدف للضغط على الحكومة السودانية في وقت حساس تشهد فيه البلاد تقدمًا ميدانيًا للقوات المسلحة، ومحاولات لإعادة بناء السلطة المدنية من جديد.
ويؤكد مراقبون أن هذه الخطوة قد تكون تمهيدًا لمزيد من الإجراءات، في إطار سياسة ممنهجة لتقييد حركة الحكومة الجديدة إقليميًا ودوليًا، مع تعقيد مساعيها لإعادة الاندماج في النظام المالي العالمي.
ما الذي تنص عليه العقوبات؟
تشمل العقوبات المقترحة وقف الإعفاءات والائتمانات التي قد تمنحها المؤسسات الأميركية للحكومة السودانية، مما قد يُصعّب فرص حصول السودان على تمويل أو دعم فني مستقبلي من واشنطن أو شركائها.
وبحسب بيان صادر عن وزير الإعلام خالد الإعيسر، فقد اعتبرت الحكومة السودانية هذه العقوبات “ابتزازًا سياسيًا مكشوفًا”، خاصة وأنها جاءت بالتزامن مع تقدم عسكري لقوات الجيش في مناطق استراتيجية.
الاقتصاد السوداني… هل يتأثر فعلاً؟
يؤكد الخبير الاقتصادي محمد إبراهيم أن التأثير الفعلي للعقوبات قد لا يكون مباشرًا على المدى القصير، نظرًا لأن السودان لا يمتلك روابط مالية قوية أو حيوية مع السوق الأميركي. إلا أن الأثر الحقيقي يكمن في تراجع “سمعة السودان” لدى الجهات المانحة والمستثمرين الدوليين، وهو ما قد يُفرمل أي محاولات لجذب رؤوس أموال أو إبرام اتفاقيات خارجية.
كما حذر من أن العقوبات قد تعرقل استيراد قطع الغيار والأجهزة الضرورية في قطاعات حساسة مثل الكهرباء، الطيران، والمجال الطبي، خاصة إذا تم توسيع قائمة الحظر لتشمل وسطاء أو شركات داعمة.
أبعاد سياسية خفية؟
يرى الباحث الاستراتيجي محمد عباس أن توقيت إعلان العقوبات ليس بريئًا، ويبدو أنه يحمل رسائل سياسية موجهة، خصوصًا وأنه جاء بعد إعلان القوات المسلحة السيطرة الكاملة على العاصمة الخرطوم. وأضاف أن واشنطن لم تطلب حتى الآن تحقيقًا دوليًا على الأرض، مما يعكس اعتماد القرار على تقارير إعلامية وضغوط من لوبيات محددة.
ويشير عباس إلى أن الهدف الأساسي قد يكون دفع الحكومة السودانية إلى “طاولة التفاوض تحت ضغط”، وليس بالضرورة حماية المدنيين كما تروج بعض الجهات، لاسيما مع تغافل المجتمع الدولي عن الجرائم التي ارتكبتها المليشيات المسلحة.
تحدٍ جديد أمام الحكومة الانتقالية
مع تعيين الدكتور كامل إدريس رئيسًا للوزراء، تسعى الحكومة الجديدة إلى إعادة الثقة بين الداخل والخارج، وتحقيق اختراق حقيقي في ملف العلاقات الدولية. لكن العقوبات الأميركية قد تعيق هذه الجهود في بدايتها، ما يتطلب استراتيجية تواصل ذكية ومتوازنة، تعتمد على تنويع الشراكات وتحقيق إنجازات ملموسة تعزز مصداقيتها.
خاتمة: السودان بين المواجهة والدبلوماسية
بينما تسير البلاد نحو مرحلة حاسمة في مسارها السياسي، يبقى الرهان الأكبر على قدرة الحكومة على تجاوز الألغام الدبلوماسية التي توضع في طريقها، دون التفريط في السيادة أو الوقوع في فخ العزلة مجددًا.
ويبقى السؤال المطروح: هل ستكون هذه العقوبات مجرد “ورقة ضغط سياسية”؟ أم بداية لمرحلة جديدة من الصدام الخفي بين السودان والغرب؟
